القــصة الحقـيقية لفرقة أنتيك و ميـلاد الراب الـجزائري - الجزء الأول البداية كانت نهاية 1989 ، مع العضوين المؤسّسين لفرقة أنتيك : رضا و هشام في تلك السنة ، رضا انتقل إلى بن عكنون ، أين تعرّف على شاب آخر يدعى "هشام" ، لتنشأ بينهما علاقة صداقة مبنية على الثقة و الاحترام ، و حب الموسيقى عندما بدأ هشام في كتابة أغنيته الأولى ، اقترح على رضا فكرة تشكيل فرقة تؤدّي باللهجة العاصمية ، و الغوص في مواضيع تعالج أزمة الشباب الباحث عن معالمه ، خصوصا أن تلك الفترة تميّزت بانقلاب محوري في تاريخ الجزائر المعاصر ، بداية من أحداث أكتوبر 88 و القمع العنيف الذي تعرّض له الشباب المتظاهر ، إلى إلغاء المسار الانتخابي لاحقا و اشتعال الفتنة في المدن و الجبال ... في ظل هذه الظروف العصيبة ، و على أنقاض أحداث 5 أكتوبر ، عاش رضا و هشام مرحلة هلع مثل بقية الشباب الجزائري ، لكن عوض الانصياع تحت قيادة الفيس و مطالبه ، قرر الصديقان حمل نوع آخر من السلاح : المايك (المايكروفون) ، و إدخال موسيقى الراب إلى الجزائر ، في خطوة أولى جريئة ، لأن هذه الموسيقى كانت ذخيلة تماما على المجتمع الجزائري ، مجتمعٌ يسود عليه الراي و الشعبي و القبائلي ، و لا مجال بعد لفن أجنبي متمرّد رضا قبل عرض صديقه و اتّفقا على اختيار تسمية "أنتيك" بعد 15 يوم من البحث ، وجدا أنه الاسم الملائم الذي يعكس حالتهما و حالة الشباب الجزائري في تلك الفترة أنتيك كان اسم الفرقة ، في حين اختار رضا تسمية ريدزو ، و هشام تسمية بلاك-ايش...كان ذلك مع نهاية 1989 "أول أغنية كتبها الصديقان معا كانت الكلاسيك "كاين و كاين بعد ثلاث سنوات (1992) ، لم يتوصّل بعد رضا و هشام إلى مبتغاهما المتمثل في نشر موسيقى الراب ، خصوصا بسبب غياب استوديو خاص بهما ، كما أن تكاليف يوم واحد من التسجيل كانت تضاهي أجرة شهر كاملة في تلك الفترة ، لذلك رضا كان يحاول توفير المال اللازم بممارسة نشاط البيع الحر في لعقيبة و باب الواد بعد عام من ذلك (1993) ، أنتيك وجدوا أخيرا استوديو خاص في ساحة الشهداء بالعاصمة ، إذ أعجب المنسّق مصطفى مكركب بالنوع الجديد الذي تقدمه الفرقة ، خصوصا بعد سماع أغنية "كاين و كاين" ، راب بالدارجة العاصمية عندما بدأت الأمور تتضح أخيرا للفرقة التي قررت تسجيل ألبومها الأول "جي.ار.إي" (أول ألبوم في الراب الجزائري) ، قرّر هشام الانسحاب من أجل تكريس وقته لتكوين موسيقي ، كان ذلك بعد الميكس الخاص بأغنية كاين و كاين رضا حمل مشعل أنتيك وحيدا لمدّة عام كامل ، و في تلك الفترة اكتشف وجود فرقة راب أخرى في العاصمة تقاسمه نفس الشغف الموسيقي : إنها فرقة حامة بويز بفضل راقص الهيب هوب كمال الحاج براهيم (رحمه الله) ، تعرّف رضا على كل من سمير و نبيل ، و اتفق معهما على مواصلة تحسين و تطوير موسيقى الراب في العاصمة . الفرقتان شاركتا في ما بعد في العديد من المشاريع و الحفلات و الأعمال ألبوم جي.ار.اي الذي تم تجميده ، واصل كل من رضا –سمير – نبيل العمل عليه ، و انضم إليهم دي.جي جديد من أجل مساعدتهم في إحياء الحفلات التي كانت تُنظّم بواسطة جمعيّات مثل SOS Bab el oued و RAJ الأعضاء تمنّكنوا من إحياء حفل في ابن زيدون من أجل البرومو الخاص بألبومهم ، رغم كل المشاكل التي صادفوها و العراقيل التي وُضعت أمامهم ، بسبب الرقابة المفروضة و تحكّم السلطة في وسائل الإعلام المرئية و المسموعة في الأخير ، تمكن رضا و أصدقاءه من إصدار ألبومهم الأول بصيغة شريط كاسيت ، عن طريق دار نشر قاما ، و كان ذلك سنة 1995 أنيتك سجّلوا أول نقطة لهم و فرضوا بشكل مباشر نمطهم الموسيقي في بلدهم و في مدينتهم (أنتيك : رضا ، سمير و نبيل) -الجزء الثاني ، دخلت فرقة أنتيك في مرحلة أكثر احترافية و بدأ صوتها يلقى صدًى GRI بعد صدور ألبوم و اهتمامًا إعلاميًا : بعض المقالات في الجرائد ، المشاركة في حصص إذاعية على القناة الأولى و الثالثة ، البهجة ، اش.كا.ام و ديجي بوس ،...و حصص تلفزيونية مثل بلاد ميوزيك و اللوطو . كما أن الفرصة سمحت لهم بإحياء حفلات داخل و خارج العاصمة : - Théatre de Verdure ( مسرح الهواء الطلق) - صالة ابن زيدون - سينيما إفريقيا في باب الواد - الموقار - الجيريا في ديدوش - الكازيف في سيدي فرج - جمعية راج و اس.او.اس باب الواد أغلب الحفلات كانت تنظم في الخفاء و بوسائل بسيطة ، إلا أن ذلك نصّب أنتيك و أصدقاءهم من حامة على عرش الراب العاصمي الذي عرف انفجار فرقة جديدة من حسين داي : الميم.با.سين (M16 في الصورة محمد ، شقيق ريدزو و الذي سيعرف لاحقا بـ ) سنة 1996 شهدت انضمام عضو جديد سيكون له أثر مميز في مسيرة أنتيك ، إنه يوسف سداس المعروف آنذاك بـ داركمان ( بعد انفصال الفرقة ، سيُعرف باسمه الحالي يوس) ، داركمان جاء من حي قاليني (بوقارة) الأبيار ، و كانت له فرقة صغيرة و ظهر في بعض المناسبات أيضا مع راسطو (واش داروا فينا) . فلة عبابسة اقترحت عليه المشاركة في أحد فيديو كليباتها. و رضا طرح فكرة انضمام يوسف إلى أنتيك ، خصوصا أن ذلك من شأنه أن يجعل من أنتيك فرقة أكثر تنوعا موسيقيا ، إذا علمنا أن داركمان له ميول نحو الراقا و الشعبي كان ذلك سنة 1996 ، و أنتيك لا تزال تبحث عن الدعم اللازم من أجل إبراز كل مواهبها. أحد المهتمين (رشيد) اقترح عليهم تصوير فلم وثائقي حول الراب الجزائري و من ثم كومبيل (ألبوم يجمع العديد من الفرق) ، يكون الأول من نوعه في الجزائر إصدار هذا الكومبيل في فرنسا و بث الشريط على قناة مثل ارتي.او2 من شأنه أن يساهم بشكل كبير في التعريف بأنتيك و حامة خارج الوطن، لذلك كان رضا و أصحابه يسجلون و يتمرّنون في بيته ، بعد أن فشلوا في إيجاد قاعة مناسبة ، و حتى دور الشباب لم تُفتَح لهم . نبيل تكفّل بإيجاد ديجي يملك الوسائل اللازمة للعمل : ديجي أحمد ، كما أنه كان من الضروري تعيين شخص يتكفّل بأمور الفرقة و اتصالاتها (مناجير) ، لذلك وقع الاختيار على أحد الأصدقاء "يحي" الذي يعمل مع الجمعية المذكورة سابقا راج ، هذا الأخير وظّف معارفه الكثيرة خصوصا في فرنسا من أجل تصوير الشريط الوثائقي حول الفرقة. و فعلا ، قَدِمت صحفية فرنسية من أجل كتابة تقرير حول وضعية الشباب الجزائري الذي يعيش وسط الحرب الأهلية ، و التقت بفرقة أنتيك و اقتربت من واقعهم أكثر ، كما حضرت إلى الأستوديو الذي كانوا يسجلون فيه إحدى أغانيهم ، الصحفية كانت مصدومة من الوسائل المتوفرة لديهم لكنها اقترحت عليهم نقل "ماكيت" إلى فرنسا من أجل إسماعها إلى مختصين بهذا النوع الموسيقي . يحي قدّم الصحفية إلى فرقة "حامة" كذلك ، في النهاية ضيفتنا الفرنسية كانت مندهشة من هؤلاء الشباب الشغوفين بالموسيقى و الذين يبذلون جهدهم و وقتهم من أجل ممارستها و إيصال صوتهم (اضغط على الصورة لمشاهدة الجزء المخصص من الشريط للحديث عن انتيك و حامة) بعد مغادرة الصحفية ، واصل أعضاء أنتيك و زملاءهم من حامة نشاطهم ، و عادوا إلى الروتين اليومي ، دون انتظار الكثير مما سيسفر عنه ردها . فهدفهم الأول كان تخليد أسماءهم في سماء الراب الجزائري و أن يثبتوا للجميع بأن الراب يوجد و سيستمر رغم كل العراقيل ("Je rap donc je suis" اضغط على الصورة لمشاهدة الشريط كاملا) بعد بضعة أشهر ، الماكيت تقع بين أيدي كل من "جيلالي" المنتج السابق للأركسترا الوطنية لباربيس، و "توفيق حاكم" صحافي من أصل جزائري يعمل في إذاعة نوفا ، و "إيموتيب" المنتج الآخر لفرقة الراب الفرنسي الشهيرة أ.يا.م جيلالي كان يبحث عن فرقة جديدة يتولى أمورها ، و توفيق كان يبحث عن منتوج جديد يبثه على نوفا ، في حين إيموتيب كان يُحضّر نهاية 1998 لمهرجان يسمّى "لوجيك هيب هوب" في مارسيليا ، يقوم في نهايته بإصدار كومبيل خاصة به الفرصة كانت ذهبية لكل من أنتيك و حامة ، فسيسمح لهما المهرجان أخيرا بإيصال أصواتهما ، ليس من داخل الجزائر فحسب ، بل من خارجها كذلك ، و سينقلون حقيقة ما يجري في وطنهم إلى العالم كله ، عن طريق موسيقاهم و كلماتهم المتمردة و فعلا ، تم تلبية الدعوة التي أرسلها المهندس الموسيقي "ايموتب" ، و التحق الجميع بمارسيليا عن طريق السفينة مع نهاية 1998 هناك ، استقرت الفرقتان (أنتيك و حامة) و تعرفتا على فرق أخرى مثل بوس فوبي من مونبوليي و رييال ميراج من مارسيليا و المزيد من الفرق الأخرى التي جاءت من وجهات مختلفة من أجل المشاركة في هذا الحدث مشاركة أنتيك كانت تحت أنظار صانع الحدث (إيموتيب) ، إضافة إلى جيلالي ، توفيق حاكم و الصحفية الفرنسية التي زارتهم في العاصمة ، دون أن ننسى الفرق البارزة في مارسيليا في تلك الفترة ...IAM , FF, Psy4 De La Rime تتقدمهم إيموتيب أعجب خصيصا بمرود الفرق الأربعة : حامة ، أنتيك ، بوس فوبي و ريال ميراج ، و اقترح عليهم المشاركة في الكومبيل التي سينتجها و التي اختار لها اسم كرونيك دالجي بما أن المشاركين كانوا من أصول جزئرية - الجزء الثالث بعد الإنتهاء من تسجيل كومبيل "كرونيك دالجي" ، عاد رضا و رفاقه إلى أرض الوطن من أجل قضاء شهر رمضان (سنة 1998) ، هناك اتصل بهم جيلالي المناجير السابق للديوان الوطني لباربيس ، و عرض عليهم المشاركة رفقة حامة في إحياء حفلة في قاعة "ديفون دو موند" بالعاصمة الفرنسية باريس ، و في حالة تقديمهم لعرضٍ مرضي ، فإنه سيصبح المناجير الخاص بهم ، و هذا ما سيحدث فعلا... فرصة ثانية إذًا تتاح لفرقة أنتيك ، و مثلما كان متوقعا تم التحضير لهذه الحفلة الواعدة طيلة شهر رمضان ، بعدها شُدّت الرحال إلى باريس ، هناك بمجرد وصولهم ، بدأت عملية الترويج للحدث في الصحافة و الراديو ، و جيلالي لم ينتظر طويلا و أمضى على العقد ليصبح المناجير الرسمي لأنتيك حفلة "ديفون دو موند" لم تكن مجرد حدث عادي ، و لأن جيلالي كان يثق في قدرات هؤلاء الشباب و الإضافة النوعية التي سيقدّمونها ، فقد دعا مجموعة من المهتمين بالشأن الموسيقي ، على رأسهم أشخاص يعملون مع "صوني" و "فيرجين" ، إضافة إلى صحافيين ، حتى يكتشفوا عن قرب أجواء الراب الجزائري . طبعا هذا التحدّي أعطى دفعا قويا لرفقاء ريدزو من أجل مضاعفة العمل و تقديم الأفضل ، علّهم يظفرون بعقد رسمي مع شركة إنتاج عالمية... في النهاية ، حفلة "ديفون دو موند" كانت مبهرة ، و لاقت صدى إيجابيا لدى كل من مدير الصالة ، الجمهور الحاضر ، و رجال الإعلام ، و حتى صديقتنا الصحفية التي زارت الفرقة في الجزائر قبل أشهر من أجل إنجاز ذلك الشريط كانت معجبة بأداء الشباب ، و الأهم من هذا كله ، أن أحد العاملين مع "صوني" ( جورج) اتصل بجيلالي و طلب منه تحديد مواعيد قادمة من أجل البحث عن إمكانية إمضاء عقد بين الشركة العملاقة و أنتيك الحلم أصبح حقيقة بعد اهتمام صوني بما تقدمه أنتيك و سعي العملاق الموزع إلى تدعيم الفرقة البسيطة القادمة من الجزائر البيضاء ، و الوقوف وراءها من أجل إنجاز أول ألبوم محترف في فرنسا ، قد يفتح لها أبوابا و فضاءات جديدة لممارسة فنّها بكل حرية بعيدا عن الرقابة و نقص الإمكانات في البلد الأم مشكل الإيواء لم يُطرح في باديء الأمر ، ربما لانشغال الفرقة بالتحضير للألبوم في الأستوديو ، لكن مع مرور الوقت أصبح يمثل هاجسا حقيقيا و مصدر إزعاج ، كيف لا و العناصر الأربعة يقيمون عند الصحفية (السيدة لي) رفقة ابنها الصغير ، إلى أن يقرّر يوسف في إحدى الأمسيات حمل حقائبه بعد سوء تفاهم مع صاحبة البيت ، و يخبر أصدقاءه الذين كانوا في الخارج أنه لم يعد مرحّب بهم عند السيدة و عليهم البحث عن مكان آخر للإيواء. رضا، سمير و نبيل صعدوا لجلب أمتعتهم دون معرفة السبب الحقيقي للخلاف ، ليجدوا أنفسهم في الشارع هنا تدخّل المناجير جيلالي لاحتواء الأمر ، و أعطى مفاتيح شقته للفرقة لبضعة أشهر ، حتى يبتعدوا عن كل ضغط و يشتغلوا بهدوء و تركيز على ألبومهم المنتظر بين الاستوديو و البيت ، كان من اللازم إحياء بعض الحفلات في الضواحي الباريسية ، و هذا ما كان يعمل من أجله جيلالي في انتظار إكمال كل الإجراءات الخاصة بالعقد مع "صوني" الذي تطلّب وقتا أطول بعد حدث مشترك جمع أنتيك و حامة ، قامت بلدية "أركاي كاشون" بدعوة أنتيك إلى إحياء حفلة في أركاي (الضاحية 94) ، و تنظيم ورشة كتابة رفقة فنانين آخرين من هذه المدينة : فيصل و طوما . مثل هذه الخطوات تسمح للفرقة الجزائرية بالتغلغل أكثر أوساط الجالية المغاربية و كسب علاقات جديدة مع جمهورها الجديد من مدينة أركاي ، حيث أجروا هناك حفلة صغيرة في قاعة رياضية حضرها الكثير من الجمهور ليشاهد للمرة الأولى فرقة راب تغني بالجزائرية ، و نظرا لنجاح الحفلة فقد وعد يوس و رفاقه سكان أركاي بالعودة مجددا و إحياء حفلة ثانية أكبر و تدوم لساعات أطول ، و هذا بالتنسيق بين جيلالي و المنظمين المحليين خلال هذه الفترة ، أنتيك انتهوا من الميكس الخاص بالألبوم (ماكيت) ، و كالعادة الحفلة الكبرى في "أركاي" كانت ناجحة ، إلى درجة أن المنظمين اقترحوا على الفرقة الإقامة في بلديتهم و وفروا لها مكانا مؤقتا ثم سكنا خاصا ، العرض كان مغريا و أنتيك كانوا مرتاحين وسط عائلتهم الثانية التي استضافتهم بحفاوة و حرارة بعد بضعة أشهر من المعاناة و العمل الجاد ، اقترح جيلالي أخيرا على "صوني" الماكيت الخاص بالألبوم ، رفقة السيرة الذاتية للفرقة و عقد المناجير الذي يجمعه بها ، ليتم بعد ذلك الإمضاء على عقد الإنتاج الرسمي بين الشركة العملاقة و أنتيك (غلاف ألبوم "أنتيك" الصادر سنة 1999 عن صوني ميوزيك)