Published
0 112 0
الفصل الرابع عشر في أن البيت و الشرف للموالي و أهل الاصطناع إنما هو بمواليهم لا بأنسابهم و ذلك أنا قدمنا أن الشرف بالأصالة و الحقيقة إنما هو لأهل العصبية فإذا اصطنع أهل العصبية قوماً من غير نسبهم أو استرقوا العبدان و الموالي و التحموا به كما قلناه ضرب معهم أولئك الموالي و المصطنعون بنسبهم في تلك العصبية و لبسوا جلدتها كأنها عصبتهم و حصل لهم من الانتظام في العصبية مساهمة في نسبها كما قال صلى الله تعالى عليه و سلم” مولى القوم منهم” و سواء كال مولى رق أو مولى اصطناع و حلف و ليس نسب ولادته بنافع له في تلك العصبية إذ هي مباينة لذلك النسب و عصبية ذلك النسب مفقودة لذهاب سرها عند التحامه بهذا النسب الآخر و فقدانه أهل عصبيتها فيصير من هؤلاء و يندرج فيهم فإذا تمددت له الآباء في هذه العصبية كان له بينهم شرف و بيت على نسبته في ولائهم و اصطناعهم لا يتجاوزه إلى شرفهم بل يكون أدون منهم على كل حال و هذا شأن الموالي في الدول و الخدمة كلهم فإنهم إنما يشرفون بالرسوخ في، ولاء الدولة و خدمتها و تعدد الآباء في ولايتها ألا ترى إلى موالي الأتراك في دولة بني العباس و إلى بني برمك من قبليهم و بني نوبخت كيف أدركوا البيت و الشرف و بنوا المجد و الأصالة بالرسوخ في ولاء الدولة فكان جعفر بن يحيى بن خالد من أعظم الناس بيتاً و شرفاً بالانتساب إلى ولاء الرشيد و قومه لا بالانتساب في الفرس و كذا موالي كل دولة و خدمها إنما يكون لهم البيت و الحسب بالرسوخ في ولائها و الأصالة في اصطناعها و يضمحل نسبه الأقدم من غير نسبها و يبقى ملغى لا عبرة به في أصالته و مجده و إنما المعتبر نسبة ولائه و اصطناعه إذ فيه سر العصبية التي بها البيت و الشرف فكان شرفه مشتقاً من شرف مواليه و بناؤه من بنائهم فلم ينفعه نسب ولادته و إنما بنى مجده نسب الولاء في الدولة و لحمة الاصطناع فيها و التربية و قد يكون نسبه الأول في لحمة عصبته و دولته فإذا ذهبت و صار ولأوه و اصطناعه في أخرى لم تنفعه الأولى لذهاب عصبيتها و انتفع بالثانية لوجودها و هذا حال بني برمك إذ المنقول أنهم كانوا أهل بيت في الفرس من سدنة بيوت النار عندهم و لما صاروا إلى ولاء بنى العباس لم يكن بالأول اعتبار و إنما كان شرفهم من حيث ولايتهم في الدولة و اصطناعهم و ما سوى هذا فوهم توسوس به ."النفوس الجامحة و لا حقيقة له و الوجود شاهد بما قلناه لم” إن أكرمكم عند الله أتقاكم و الله و رسوله أعلم