Ibn Khaldoun (ابن خلدون) - Al Muqaddima Part 171 : الفصل 11 في أن عالم الحوادث الفعلية إنما يتم بالفكر lyrics

Published

0 105 0

Ibn Khaldoun (ابن خلدون) - Al Muqaddima Part 171 : الفصل 11 في أن عالم الحوادث الفعلية إنما يتم بالفكر lyrics

الفصل الحادي عشر في أن عالم الحوادث الفعلية إنما يتم بالفكر اعلم أن عالم الكائنات يشتمل على ذوات محضة، كالعناصر و آثارها و المكونات الثلاثة عنها. التي هي المعدن و النبات و الحيوان. و هذه كلها متعلقات القدرة الإلهية و على أفعال صادرة عن الحيوانات، واقعة بمقصودها، متعلقة بالقدرة التي جعل الله لها عليها: فمنها منتظم مرتب، و هي الأفعال البشرية، و منها غير منتظم و لا مرتب، و هي أفعال الحيوانات غير البشر. و ذلك الفكر يدرك الترتيب بين الحوادث بالطبع أو بالوضع، فإذا قصد إيجاد شيء من الأشياء، فلأجل الترتيب بين الحوادث لابد من التفطن بسببه أو علته أو شرطه، و هي على الجملة مبادئه، إذ لا يوجد إلا ثانيا عنها و لا يمكن إيقاع المتقدم متأخرا، و لا المتأخر متقدما. و ذلك المبدأ قد يكون له مبدأ آخر من تلك المبادئ لا يوجد إلا متأخرا عنه، و قد يرتقي ذلك أو ينتهي. فإذا انتهى إلى آخر المبادىء في مرتبتين أو ثلاث أو أزيد، و شرع في العمل الذي يوجد به ذلك الشيء بدأ بالمبدأ الأخير الذي انتهى إليه الفكر، فكان أول عمله. ثم تابع ما بعده إلى آخر المسببات التي كانت أول فكرته. مثلا: لو فكر في إيجاد سقف يكنه انتقل بذهنه إلى لحائط الذي يدعمه، ثم إلى الأساس الذي يقف عليه الحائط فهو آخر الفكر. ثم يبدأ في العمل بالأساس، ثم بالحائط، ثم بالسقف، و هو آخر العمل. و هذا معنى قولهم: أول العمل آخر الفكرة، و أول الفكرة آخر العمل فلا يتم فعل الإنسان في الخارج إلا بالفكر في هذه المرتبات لتوقف بعضها على بعض. ثم يشرع في فعلها. و أول هذا الفكر هو المسبب الأخير، و هو آخرها في العمل. و أولها في العمل هو المسبب الأول و هو آخرها في الفكر. و لأجل العثور على هذا الترتيب يحصل الإنتظام في الأفعال البشرية. و أما الأفعال الحيوانية لغير البشر فليس فيها انتظام لعدم الفكر الذي يعثر به الفاعل علي الترتيب فيما يفعل. إذ الحيوانات إنما تدرك بالحواس و مدركاتها متفرقة خلية من الربط لأنة لا يكون إلا بالفكر. و لما كانت الحواس المعتبرة في عالم الكائنات هي المنتظمة، و غير المنتظمة إنما هيى تبع لها. اندرجت حينئذ أفعال الحيوانات فيها، فكانت مسخرة للبشر. و استولت أفعال البشر على عالم الحوادث. بما فيه، فكان كله في طاعته و تسخره. و هذا معنى الاستحلاف المشار إليه في قوله تعالى:” إني جاعل في الأرض خليفة” فهذا الفكر هو الخاصة البشرية التي تميز بها البشر عن غيره من الحيوان. و على قدر حصول الأسباب و المسببات في الفكر مرتبة تكون إنسانيتة. فمن الناس من تتوالى له السببية في مرتبتين أو ثلاث، و منهم من لا يتجاوزها، و منهم من ينتهي إلى خمس أو ست فتكون إنسانيته أعلى. و اعتبر ذلك بلاعب الشطرنج: فإن في اللاعبين من يتصور الثلاث حركات و الخمس الذي ترتيبها وضعي، و منهم من يقصر عن ذلك لقصور ذهنه. و إن كان هذا المثال غير مطابق. لأن لعب الشطرنج بالملكة، و معرفة الأسباب و المسببات بالطبع. لكنه مثال يحتذي به الناظر في تعقل ما يورد عليه من القواعد. و الله خلق الإنسان و فضله على كثير ممن خلق تفضيلا.