الفصل السادس عشر في أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها و السبب في ذلك أن القبيل إذا حصل لهم الملك و الترف كثر التناسل و الولد والعمومية فكثرت العصابة و استكثروا أيضاً من الموالى و الصنائع و ربيت أجيالهم في جو ذلك النعيم و الرفه فازدادوا به عدداً إلى عددهم و قوة إلى قوتهم بسبب كثرة العصائب حينئذ بكثرة العدد فإذا ذهب الجيل الأول و الثاني و أخذت الدولة في الهرم لم تستقل أولئك الصنائع و الموالى بأنفسهم في تأسيس الدولة و تمهيد ملكها لأنهم ليس لهم من الأمر شيء إنما كانوا عيالاً على أهلها و معونةً لها فإذا ذهب الأصل لم يستقل الفرع بالرسوخ فيذهب و يتلاشى و لا تبقى الدولة على حالها من القوة. و اعتبر هذا بما وقع في الدولة العربية في الإسلام.كان عدد العرب كما قلنا لعهد النبؤة و الخلاقة مائة و خمسين ألفا و ما يقاربها من مضر و قحطان و لما بلغ الترف مبالغة قي الدولة و توفر نموهم بتوفر النعمة و استكثر الخلفاء من الموالى و الصنائع بلغ ذلك العدد إلى أضعافه يقال إن المعتصم نازل عمورية لما افتتحها في تسعمائة ألف و لا يبعد مثل هذا العدد أن يكون صحيحاً إذا اعتبرت حاميتهم في الثغور الدانية و القاصية شرقاً و غرباً إلى الجند الحاملين سرير الملك و الموالى والمصطنعين و قال المسعودي أحصى بنو العباس ابن عبد المطلب خاصة أيام المأمون للإنفاق عليهم فكانوا ثلاثين ألفاً بين ذكران و إناث فانظر مبالغ هذا العدد لأقل من مائتي سنة و اعلم أن سببه الرفه و النعيم الذي حصل للدولة و ربى فيه أجيالهم و إلا فعدد العرب لأول الفتح لم يبلغ هذا و لا قريبا منة و الله الخلاق العليم.