الباب الثالث من الكتاب الأول في الدول العامة و الملك و الخلافة و المراتب السلطانية و ما يعرض في ذلك كله من الأحوال و فيه قواعد و متممات الفصل الأول في أن الملك و الدولة العامة إنما يحصلان بالقبيل و العصبية و ذلك أنا قررنا في الفصل الأول أن المغالبة و الممانعة إنما تكون بالعصبية لما فيها من النعرة و التذامر و استماتة كل واحد منهم دون صاحبه. ثم أن الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية و الشهوات البدنية و الملاذ النفسانية فيقع فيه التنافس غالباً و قل أن يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلب عليه فتقع المنازعة و تفضي إلى الحرب و القتال و المغالبة و شيء منها لا يقع إلا بالعصبية كما ذكرناه آنفاً و هذا الأمر بعيد عن أفهام الجمهور بالجملة و متناسون له لأنهم نسوا عهد تمهيد الدولة منذ أولها و طال أمد مرباهم في الحضارة و تعاقبهم فيها جيلاً بعد جيل فلا يعرفون ما فعل الله أول الدولة إنما يدركون أصحاب الدولة و قد استحكمت صبغتهم و وقع التسليم لهم و الاستغناء عن العصبية في تمهيد أمرهم و لا يعرفون كيف كان الأمر من أوله و ما لقي أولهم من المتاعب دونه و خصوصاً أهل الأندلس في نسيان هذه العصبية و أثرها لطول الأمد و استغنائهم في الغالب عن قوة العصبية بما تلاشى وطنهم و خلا من العصائب و الله قادر على ما يشاء و هو بكل شيء عليم و هو حسبنا و نعم الوكيل.