الفصل الحادي و الأربعون في أن الرحلة في طلب العلوم و لقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم و السبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم و أخلاقهم و ما ينتحلون به من المذاهب و الفضائل: تارة علما و تعليما و إلقاء و تارة محاكاة و تلقينا بالمباشرة. إلا أن حصول الملكات عن المباشرة و التلقين أشد استحكاما و أقوى رسوخا. فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات و رسوخها. و الاصطلاحات أيضا في تعليم العلوم مخلطة على المتعلم حتى لقد يظن كثير منهم أنها جزء من العلم. و لا يدفع عنه ذلك إلا مباشرته لاختلاف الطرق فيها من المعلمين. فلقاء أهل العلوم و تعدد المشايخ يفيده تمييز الاصطلاحات بما يراه من اختلاف طرقهم فيها فيجرد العلم عنها و يعلم أنها أنحاء تعليم و طرق توصل و تنهض قواه إلى الرسوخ و الاستحكام في المكان و تصحح معارفه و تميزها عن سواها مع تقوية ملكته بالمباشرة و التلقين و كثرتهما من المشيخة عند تعددهم و تنوعهم. و هذا لمن يسر الله عليه طرق العلم و الهداية. فالرحلة لا بد منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد و الكمال بلقاء المشايخ و مباشرة الرجال. و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.