Published
0 167 0
الفصل الخامس و الثلاثون في التفاوت بين مراتب السيف و القلم في الدول إعلم أن السيف و القلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بها على أمر إلا أن الحاجة في أول الدولة إلى السيف ما دام أهلها في تمهيد أمرهم أشد من الحاجة إلى القلم لأن القلم في تلك الحال خادم فقط منفذ للحكم السلطاني و السيف شريك في المعونة و كذلك في آخر الدولة حيث تضعف عصبيتهما كما ذكرناه و يقل أهلها بما ينالهم من الهرم الذي قذفناه فتحتاج الدولة إلى الاستظهار بأرباب السيوف و تقوى الحاجة إليهم في حماية الدولة و المدافعة عنها كما كان الشأن أول الأمر في تمهيدها فيكون للسيف مزية على القلم في الحالتين و يكون أرباب السيف حينئذ أوسع جاهاً و أكثر نعمة و اسنى إقطاعاً و أما في وسط الدولة فيستغني صاحبها بعض الشيء عن السيف لأنه قد تمهد أمره و لم يبقى همه إلا في تحصيل ثمرات الملك من الجباية و الضبط و مباهاة الدول و تنفيذ الأحكام و القلم هو المعين له في ذلك فتعظم الحاجة إلى تصريفه و تكون السيوف مهملة في مضاجع أعمالها إلا إذا أنابت نائبة أو دعيت إلى سد فرجة و مما سوى ذلك فلا حاجة إليها فتكون أرباب الأقلام في هذه الحاجة أوسع جاهاً و أعلى رتبة و أعظم نعمةً و ثروةً و أقرب من السلطان مجلساً و أكثر إليه تردداً و في خلواته نجياً لأنه حينئذ آلته التي بها يستظهر على تحصيل ثمرات ملكه و النظر إلى أعطافه و تثقيف أطرافه و المباهاة بأحواله و يكون الوزراء حينئذ و أهل السيوف مستغنى عنهم مبعدين عن باطن السلطان حذرين على أنفسهم من بوادره. و في معنى ذلك ما كتب به أبو مسلم للمنصور حين أمره بالقدوم أما بعد فإنه مما حفظناه من وصايا الفرس أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهما سنة الله في عباده و الله سبحانه و تعالى أعلم.