Published
0 107 0
الفصل الثاني و العشرون في أن المتغلبين على السلطان لا يشاركونه في اللقب الخاص بالملك و ذلك أن الملك و السلطان حصل لأوليه منذ أول الدولة بعصبية قومه و عصبيته التي استتبعتهم حتى استحكمت له و لقومه صبغة الملك و الغلب و هي لم تزل باقية و بها انحفظ رسم الدولة و بقاؤها و هذا المتغلب و إن كان صاحب عصبية من قبيل الملك أو الموالي و الصنائع فعصبيته مندرجة في عصبية أهل الملك وتابعة لها و ليس له صبغة في الملك و هو لا يحاول في استبداده انتزاع ثمراته من الأمر والنهي و الحل و العقد و الإبرام و النقض يوهم فيها أهل الدولة أنه متصرف عن سلطانه منفذ في ذلك من وراء الحجاب لأحكامه. فهو يتجافى عن سمات الملك و شاراته و ألقى به جهده و يبعد نفسه عن التهمة بذلك. و إن حصل له الاستبداد لأنه مستتر في استبداده ذلك بالحجاب الذي ضربه السلطان و أولوه على أنفسهم عن القبيل منذ أول الدولة و مغالط عنه بالنيابة و لو تعرض لشيىء من ذلك لنفسه عليه أهل العصبية و قبيل الملك و حاولوا الإستئثار به دونه لأنه لم يستحكم له في ذلك صبغة تحملهم على التسليم له و الانقياد فيهلك لأول وهلة و قد وقع مثل هذا لعبد الرحمن بن الناصر بن منصور بن أبي عامر حين سمى إلى مشاركة هشام و أهل بيته في لقب الخلافة و لم يقنع بما قنع به أبوه و أخوه من الاستبداد بالحل و العقد و المراسم المتابعة فطلب من هشام خليفته أن يعهد له بالخلافة فنفس ذلك عليه بنو مروان و سائر قريش و بايعوا لابن عم الخليفة هشام محمد بن عبد الجبار بن الناصر و خرجوا عليهم و كان في ذلك خراب دولة العامريين و هلاك المؤيد خليفتهم و استبدل منه سواه من أعياص الدولة إلى آخرها و اختلت مراسم ملكهم و الله خير الوارثين.