Ibn Khaldoun (ابن خلدون) - Al Muqaddima Part 63: الفصل 14 في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص lyrics

Published

0 146 0

Ibn Khaldoun (ابن خلدون) - Al Muqaddima Part 63: الفصل 14 في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص lyrics

الفصل الرابع عشر في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص إعلم أن العمر الطبيعي للأشخاص على ما زعم الأطباء و المنجمون مائة وعشرون سنةً و هي سنو القمر الكبرى عند المنجمين و يختلف العمر في كل جيل بحسب القرانات فيزيد عن هذا و ينقص منه فتكون أعمار بعض أهل القرانات مائة تامة و بعضهم خمسين أو ثمانين أو سبعين على ما تقتضيه أدلة القرانات عند الناظرين فيها و أعمار هذه الملة ما بين الستينن إلى السبعين كما في الحديث و لا يزيد على العمر الطبيعي الذي هو مائة و عشرون إلا في الصور النادرة و على الأوضاع الغريبة من الفلك كما و قع في شأن نوح عليه السلام و قليل من قوم عاد و ثمود. و أما أعمار الدول أيضاً و إن كانت تختلف بحسب القرانات إلا أن الدولة في الغالب لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال و الجيل هو عمر شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعين الذي هو انتهاء النمو و النشوء إلى غايته قال تعالى: “حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة “و لهذا قلنا أن عمر الشخص الواحد هو عمر الجيل و يؤيده ما ذكرناه في حكمة التيه الذي وقع في بنى إسرائيل و أن المقصود بالأربعين فيه فناء الجيل الأحياء و نشأة جيل آخر لم يعهدوا الذل و لا عرفوه فدل على اعتبار الأربعين في عمر الجيل الذي هو عمر الشخص الواحد و إنما قلنا أن عمر الدولة لا يعدو في الغالب ثلاثة أجيال لأن الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة و خشونتها و توحشها من شظف العيش و البسالة و الافتراس و الاشتراك في المجد فلا تزال بذلك سورة العصبية محفوظةً فيهم فحدهم مرهف و جانبهم مرهوب و الناس لهم مغلوبون و الجيل الثاني تحول حالهم بالملك و الترفه من البداوة إلى الحضارة و من الشظف إلى الترف و الخصب و من الاشتراك في المجد إلى انفراد الواحد به و كسل الباقين عن السعي فيه و من عز الاستطالة إلى ذل الاستكانة فتنكسر سورة العصبية بعض الشيء و تؤنس منهم المهانة و الخضوع و يبقى لهم الكثير من ذلك بما أدركوا الجيل الأول و باشروا أحوالهم و شاهدوا اعتزازهم و سعيهم إلى المجد و مراميهم في المدافعة و الحماية فلا يسعهم ترك ذلك بالكلية و إن ذهب منه ما ذهب و يكونون على رجاء من مراجعة الأحوال التي كانت للجيل الأول أو على ظن من وجودها فيهم و أما الجيل الثالث فينسون عهد البداوة و الخشونة كأن لم تكن و يفقدون حلاوة العز و العصبية بما هم فيه من ملكة القهر و يبلغ فيهم الترف غايته بما تبنقوه من النعيم و غضارة العيش فيصيرون عيالاً على الدولة و من جملة النساء و الولدان المحتاجين للمدافعة عنهم و تسقط العصبية بالجملة و ينسون الحماية و المدافعة و المطالبة و يلبسون على الناس في الشارة و الزي و ركوب الخيل و حسن الثقافة يموهون بها و هم في الأكثر أجبن من النسوان على ظهورها فإذا جاء المطالب لهم لم يقاوموا مدافعته فيحتاج صاحب الدولة حينئذ إلى الاستظهار بسواهم من أهل النجدة و يستكثر بالموالى و يصطنع من يغني عن الدولة بعض الغناء حتى يتأذن الله بانقراضها فتذهب الدولة بما حملت فهذه كما تراه ثلاثة أجيال فيها يكون هرم الدولة و تخلفها و لهذا كان انقراض الحسب في الجيل الرابع كما مر في أن المجد و الحسب إنما هو أربعة آباء و قد أتيناك فيه ببرهان طبيعي كاف ظافر مبني على ما مهدناه قبل من المقدمات فتأمله فلن تعدو وجه الحق إن كنت من أهل الإنصاف و هذه الأجيال الثلاثة عمرها مائة و عشرون سنة على ما مر و لا تعدو الدول في الغالب هذا العمر بتقريب قبله أو بعده إلا أن عرض لها عارض آخر من فقدان المطالب فيكون الهرم حاصلاً مستولياً و الطالب لم يحضرها و لو قد جاء الطالب لما وجد مدافعاً” فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً و لا يستقدمون “فهذا العمر للدولة بمثابة عمر الشخص من التزايد إلى سن الوقوف ثم إلى سن الرجوع و لهذا يجري على ألسنة الناس في المشهور أن عمر الدولة مائة سنة و هذا معناه فأعتبره و اتخذ منه قانوناً يصحح لك عدد الآباء في عمود النسب الذي تريده من قبل معرفة السنين الماضية إذا كنت قد استربت في عددهم و كانت السنون الماضية منذ أولهم محصلة لديك فعد لكل مائة من السنين ثلاثة من الآباء فإن نفدت على هذا القياس مع نفود عددهم فهو صحح و إن نقصت عنه بجيل فقد غلط عددهم بزيادة واحد في عمود النسب و أن زادت بمثله فقد سقط واحد و كذلك تأخذ عدد السنين من عددهم إذا كان محصلاً لديك فتأمله تجده في الغالب صحيحاً و الله يقدر الليل و النهار.