Published
0 113 0
الفصل الثاني و العشرون في أن الملك إذا ذهب عن بعض الشعوب من أمة فلا بد من عوده إلى شعب آخر منها ما دامت لهم العصبية و السبب في ذلك أن الملك إنما حصل لهم بعد سورة الغلب و الإذعان لهم من سائر الأمم سواهم فيتعين منهم المباشرون للأمر الحاملون سرير الملك و لا يكون ذلك لجميعهم لما هم عليه من الكثرة التي يضيق عنها نطاق المزاحمة و الغيرة التي تجدع أنوف كثير من المتطاولين للرتبة فإذا تعين أولئك القائمون بالدولة انغمسوا في النعيم و غرقوا في بحر الترف و الخصب و استعبدوا إخوانهم من ذلك الجيل و أنفقوهم في وجوه الدولة و مذاهبها و بقي الذين بعدوا عن الأمر و كبحوا عن المشاركة في ظل من عز الدولة التي شاركوها بنسبهم و بمنجاة من الهرم لبعدهم عن الترف و أسبابه فإذا استولت على الأولين الأيام و أباد غضراءهم الهرم فطبختهم الدولة و أكل الدهر عليهم و شرب بما أرهف النعيم من حدهم و استقت غريزة الترف من مائهم و بلغوا غايتهم من طبيعة التمدن الإنساني و التغلب السياسي شعر. كدود القز ينسج ثم يفنىبمركز نسجه في الانعكاس كانت حينئذ عصبية الآخرين موفورة و سورة غلبهم من الكاسر محفوظة و شارتهم في الغلب معلومة فتسمو آمالهم إلى الملك الذي كانوا ممنوعين منه بالقوة الغالبة من جنس عصبيتهم و ترتفع المنازعة لما عرف من غلبهم فيستولون على الأمر و يصير إليهم و كذا يتفق فيهم مع من بقي أيضاً منتبذاً عنه من عشائر أمتهم فلا يزال الملك ملجئاً في الأمة إلى أن تنكسر سورة العصبية منها أو يفنى سائر عشائرها سنة الله في الحياة الدنيا” و الآخرة عند ربك للمتقين “و اعتبر هذا بما وقع في العرب لما انقرض ملك عاد قام به من بعدهم إخوانهم من ثمود و من بعدهم إخوانهم العمالقة و من بعدهم إخوانهم من حمير أيضاً و من بعدهم إخوانهم التبابعة من حمير أيضاً و من بعدهم الأذواء كذلك ثم جاءت الدولة لمضر و كذا الفرس لما انقرض أمر الكينية ملك من بعدهم الساسانية حتى تأذن الله بانقراضهم أجمع بالإسلام و كذا اليونانيون انقرض أمرهم و انتقل إلى إخوانهم من الروم و كذا البربر بالمغرب لما انقرض أمر مغراوة و كتامة الملوك الأول منهم رجع إلى صنهاجة ثم الملثمين من بعدهم ثم من بقي من شعوب زناتة و هكذا سنة الله في عباده و خلقه و أصل هذا كله إنما يكون بالعصبية و هي متفاوتة في الأجيال و الملك يخلقه الترف و يذهبه كما سنذكره بعد فإذا انقرضت دولة فإنما يتناول الأمر منهم من له عصبية مشاركة لعصبيتهم التي عرف لها التسليم و الإنقياد و أونس منها الغلب، لجميع العصبيات و ذلك إنما يوجد في النسب القريب منهم لأن تفاوت العصبية بحسب ما قرب من ذلك النسب التي هي فيه أو بعد حتى إذا وقع في العالم تبديل كبير من تحويل ملة أو ذهاب عمران أو ما شاء الله من قدرته فحينئذ يخرج عن ذلك الجيل إلى الجيل الذي يأذن الله بقيامه بذلك التبديل كما وقع لمضر حين غلبوا على الأمم و الدول و أخذوا الأمر من أيدي أهل العالم بعد أن كانوا مكبوحين عنه أحقاباً.