Ibn Khaldoun (ابن خلدون) - Al Muqaddima Part 220 : الفصل 59 في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر lyrics

Published

0 167 0

Ibn Khaldoun (ابن خلدون) - Al Muqaddima Part 220 : الفصل 59 في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر lyrics

الفصل التاسع و الخمسون في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر اعلم أن الشعر كان ديوانا للعرب فيه علومهم و أخبارهم و حكمهم. و كان رؤساء العرب منافسين فيه و كانوا يقفون بسوق عكاظ لإنشاده و عرض كل واحد منهم ديباجته على فحول الشأن و أهل البصر لتمييز حوله. حتى انتهوا إلى المناغاة في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام موضع حجهم و بيت أبيهم إبراهيم كما فعل امرؤ القيس ابن حجر و النابغة الذبياني و زهير بن أبى سلمى و عنترة بن شداد و طرفة بن العبد و علقمة بن عبدة و الأعشى و غيرهم من أصحاب المعلقات السبع. فإنه إنما كان يتوصل إلى تعليق الشعر بها من كان له قدرة على ذلك بقومه و عصبته و مكانه في مضر على ما قيل في سبب تسميتها بالمعلقات. ثم انصرف العرب عن ذلك أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبؤة و الوحي و ما أدهشهم من أسلوب القرآن و نظمه فأخرسوا عن ذلك و سكتوا عن الخوض في النظم و النثر زمانا. ثم استقر ذلك و أونس الرشد من الملة. و لم ينزل الوحي في تحريم الشعر و حظره و سمعه النبي صلى الله عليه و سلم و أثاب عليه، فرجعوا حينئذ إلى ديدنهم منه. و كان لعمر بن أبي ربيعة كبير قريش لذلك العهد مقامات فيه عالية و طبقة مرتفعة و كان كثيرا ما يعرض شعره على ابن عباس فيقف لاستماعه معجبا به. ثم جاء من بعد ذلك الملك الفحل و الدولة العزيزة و تقرب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها. و يجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم و مكانهم من قومهم و يحرصون على استهداء أشعارهم يطلعون منها على الآثار و الأخبار و اللغة و شرف اللسان. و العرب يطالبون ولدهم بحفظها. و لم يزل هذا الشأن أيام بني أمية و صدرا من دولة بني العباس. و انظر ما نقله صاحب العقد في مسامرة الرشيد للأصمعي في باب الشعر و الشعراء تجد ما كان عليه الرشيد من المعرفة بذلك و الرسوخ فيه و العناية بانتحاله و التبصر بجيد الكلام و رديئه و كثرة مخفوظه منه. ثم جاء خلق من بعدهم لم يكن اللسان لسانهم من أجل العجمة و تقصيرها باللسان و إنما تعلموه صناعة ثم مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الذين ليس اللسان لهم طالبين معروفهم فقط لا سوى ذلك من الأغراض كما فعله حبيب و البحتري و المتنبئ و ابن هانئ و من بعدهم و هلم جرا. فصار غرض الشعر في الأغلب إنما هو الكذب و الاستجداء لذهاب المنافع التي كانت فيه للأولين كما ذكرناه آنفا. و أنف منه لذلك أهل الهمم و المراتب من المتأخرين و تغير الحال و أصبح تعاطيه هجنة في الرئاسة و مذمة لأهل المناصب الكبيرة. و الله مقلب الليل و النهار.