Ibn Khaldoun (ابن خلدون) - Al Muqaddima Part 194 : الفصل 33 في انكار ثمرة الكيميا و استحالة وجودها و ما ينشأ من المفاسد عن انتحالها lyrics

Published

0 168 0

Ibn Khaldoun (ابن خلدون) - Al Muqaddima Part 194 : الفصل 33 في انكار ثمرة الكيميا و استحالة وجودها و ما ينشأ من المفاسد عن انتحالها lyrics

الفصل الثالث و الثلاثون: في انكار ثمرة الكيميا و استحالة وجودها و ما ينشأ من المفاسد عن انتحالها اعلم أن كثيرا من العاجزين عن معاشهم تحملهم المطامع على انتحال هذه الصنائع و يرون أنها أحد مذاهب المعاش و وجوهه و أن اقتناء المال منها أيسر و أسهل على مبتغيه فيرتكبون فيها من المتاعب و المشاق و معاناة الصعاب و عسف الحكام و خساره الأموال في النفقات زيادة على النيل من غرضه و العطب آخرا إذا ظهر على خيبة و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. و إنما أطمعهم في ذلك رؤية أن المعادن تستحيل و ينقلب بعضها إلى بعض للمادة المشتركة فيحاولون بالعلاج صيرورة الفضة ذهبا و النحاس و القصدير فضة و يحسبون أنها من ممكنات عالم الطبيعة و لهم في علاج ذلك طرق مختلفة لاختلاف مذاهبهم في التدبير و صورته و في المادة الموضوعة عندهم للعلاج المساة عندهم بالحجر المكرم هل هي العذرة أو الدم أو الشعر أو البيض أو كذا أو كذا مما سوى ذلك. و جملة التدبير عندهم بعد تعين المادة أن تمهى بالفهر على حجر صلد أملس و تسقى أثناء إمهائها بالماء و بعد أن يضاف إليها من العقاقير و الأدوية ما يناسب القصد منها و يوثر في انقلابها إلى المعدن المطلوب. ثم تجفف بالشمس من بعد السقي أو تطبخ بالنار أو تصعد أو تكلس لاستخراج مائها أو ترابها فإذا رضي بذلك كله من علاجها و تم تدبيره على ما اقتضته أصول صنعته حصل من ذلك كله تراب أو مائع يسمونه الإكسير و يزعمون أنه إذا ألقى على الفضة المحماة بالنار عادت ذهبا أو النحاس المحمى بالنار عاد فضة على ما قصد به في عمله. و يزعم المحققون منهم أن ذلك الإكسير مادة مركبة من العناصر الأربعة حصل فيها بذلك العلاج الخاص و التدبير مزاج ذو قوى طبيعية تصرف ما حصلت فيه إليها و تقلبه إلى صورتها و مزاجها و تبث فيه ما حصل فيها من الكيفيات و القوى كالخميرة للخبز تقلب العجين إلى ذاتها و تعمل فيه ما حصل لها من الانفشاش و الهشاشة ليحسن هضمة في المعدة و يستحيل سريعا إلى الغذاء. و كذا إكسير الذهب و الفضة فيما يحصل فيه من المعادن يصرفه إليهما و يقلبه إلى صورتهما. هذا محصل زعمهم على الجملة فتجدهم عاكفين على هذا العلاج يبتغون الرزق و المعاش فيه و يتناقلون أحكامه و قواعده من كتب لأئمة الصناعة من قبلهم يتداولونها بينهم و يتناظرون في فهم لغوزها و كشف أسرارها إذ هي في الأكثر تشبه المعمى. كتآليف جابر بن حيان في رسائله السبعين و مسلمة المجريطي في كتابه رتبة الحكيم و الطغرائي و المغيربي في قصائده العريقة في إجادة النظم و أمثالها و لا يحلون من بعد هذا كله بطائل منها. ففاوضت يوما شيخنا أبا البركات التلفيفي كبير مشيخة الأندلس في مثل ذلك و وقفته على بعض التآليف فيها فتصفحه طويلا ثم رده إلي و قال لي و أنا الضامن له أن لا يعود إلى بيته إلا بالخيبة. ثم منهم من يقتصر في ذلك على الدلسة فقط. إما الظاهرة كتمويه الفضة بالذهب أو النحاس بالفضة أو خلطهما على نسبة جزء أو جزءين أو ثلاثة أو الخفية كإلقاء الشبه بين المعادن بالصناعة مثل تبييض النحاس و تلبيسه بالزوق المصعد فيجيء جسما معدنيا شبيها بالفضة و يخفى إلا على النقاد المهرة فيقدر أصحاب هذه الدلس مع دلستهم هذه سكة يسربونها في الناس و يطبعونها بطابع السلطان تمويها على الجمهور بالخلاص. و هؤلاء أخس الناس حرفة و أسوأهم عاقبة لتلبسهم بسرقة أموال الناس فإن صاحب هذه الدلسة إنما هو يدفع نحاسا في الفضة و فضة في الذهب ليستخلصها لنفسه فهو سارق أو شر من السارق. و معظم هذا الصنف لدينا بالمغرب من طلبة البربر المنتبذين بأطراف البقاع و مساكن الأغمار يأوون إلى مساجد البادية و يموهون على الأغنياء منهم بأن بأيديهم صناعة الذهب و الفضة و النفوس مولعة بحبهما و الاستهلاك في طلبهما فيحصلون من ذلك على معاش. ثم يبقى ذلك عندهم تحت الخوف و الرقبة إلى أن يظهر العجز و تقع الفضيحة فيفرون إلى موضع آخر و يستجدون حالا أخرى في استهواء بعض أهل الدنيا بأطماعهم فيما لديهم. و لا يزالون كذلك في ابتغاء معاشهم و هذا الصنف لا كلام معهم لأنهم بلغوا الغاية في الجهل و الرداءة و الاحتراف بالسرقة و لا حاسم لعلتهم إلا اشتداد الحكام عليهم و تناولهم من حيث كانوا و قطع أيديهم متى ظهروا على شأنهم لأن فيه إفسادا للسكة التي تعم بها البلوى و هي متمول الناس كافة. و السلطان مكلف بإصلاحها و الاحتياط عليها و الاشتداد على مفسديها. و أما من انتحل هذه الصناعة ولم يرض بحال الدلسة بل استنكف عنها و نزه نفسه عن إفساد سكة المسلمين و نقودهم و إنما يطلب إحالة الفضة للذهب و الرصاص و النحاس و القصدير إلى الفضة بذلك النحو من العلاج و بالإكسير الحاصل عنده فلنا مع هؤلاء متكلم و بحث في مداركهم لذلك. مع أنا لا نعلم أن أحدا من أهل العالم تم له هذا الغرض أو حصل منه على بغية إنما تذهب أعمارهم في التدبير و الفهر و الصلابة و التصعيد و التكليس و اعتيام الأخطار بجمع العقاقير و البحث عنها. و يتناقلون في ذلك حكايات و تمت لغيرهم ممن تم له الغرض منها أو وقف على الوصول يقنعون باستماعها و المفاوضات فيها و لا يستريبون في تصديقها شأن الكلفين المغرمين بوساوس الأخبار فيما يكلفون به فإذا سئلوا عن تحقيق ذلك بالمعاينة أنكروه و قالوا إنما سمعنا و لم نر. هكذا شأنهم في كل عصر و جيل و اعلم أن انتحال هذه الصنعة قديم في العالم و قد تكلم الناس فيها من المتقدمين و المتأخرين فلننقل مذاهبهم في ذلك ثم نتلوه بما يظهر فيها من التحقيق الذي عليه الأمر في نفسه فنقول إن مبنى الكلام في هذه الصناعة عند الحكماء على حال المعادن السبعة المتطرقة و هي الذهب و الفضة و الرصاص و القصدير و النحاس و الحديد والخارصين هل هي مختلفات بالفصول و كلها أنواع قائمة بأنفسها أو إنها مختلفة بخواص من الكيفيات و هي كلها أصناف لنوع واحد ؟ فالذي ذهب إليه أبو البصر الفارابي و تابعه عليه حكماء الأندلس أنها نوع واحد و أن اختلافها إنما هو بالكيفيات من الرطوبة و اليبوسة و اللين و الصلابة و الألوان من الصفرة و البياض والسواد و هي كلها أصناف لذلك النوع الواحد و الذي ذهب إليه ابن سينا و تابعه عليه حكماء المشرق أنها مختلفة بالفصول و أنها أنواع متباينة كل واحد منها قائم بنفسه متحقق بحقيقته له فصل و جنس شأن سائر الأنواع. و بنى أبو نصر الفارابي على مذهبه في اتفاقها بالنوع إمكان انقلاب بعضها إلى بعض لإمكان تبدل الأغراض حينئذ و علاجها بالصنعة. فمن هذا الوجه كانت صناعة الكيمياء عنده ممكنة سهلة المأخذ. و بنى أبو علي بن سينا على مذهبه في اختلافها بالنوع إنكار هذه الصنعة و استحالة وجودها بناء على أن الفصل لا سبيل بالصناعة إليه و إنما يخلقه خالق الأشياء و مقدرها و هو الله عز و جل. و الفصول مجهولة الحقائق رأسا بالتصوف فكيف يحاول انقلابها بالصنعة. و غلطه الطغرائي من أكابر أهل هذه الصناعة في هذا القول. و رد عليه بأن التدبير و العلاج ليس في تخليق الفصل و إبداعه و إنما هو في إعداد المادة لقبوله خاصة. و الفصل يأتي من بعد الإعداد من لدن خالقه و بارئه كما يفيض النور على الأجسام بالصقل و الإمهاء. و لا حاجة بنا في ذلك إلى تصوره و معرفته قال: و إذا كنا قد عثرنا على تخليق بعض الحيوانات مع الجهل بفصولها مثل العقرب من التراب و النتن و مثل الحيات المتكونة من الشعر و مثل ما ذكره أصحاب الفلاحة من تكوين النحل إذا فقدت من عجاجيل البقر. و تكوين القصب من قرون ذوات الظلف و تصييره سكرا بحشو القرون بالعسل بين يدي ذلك الفلح للقرون فما المانع إذا من العثور على مثل ذلك في الذهب و الفضة. فتتخذ مادة تضيفها للتدبير بعد أن يكون فيها استعداد أول لقبول صورة الذهب و الفضة. ثم تحاولها بالعلاج إلى أن يتم فيها الاستعداد لقبول فصلها. انتهى كلام الطغرائي بمعناه. و هو الذي ذكرة في الرد على ابن سينا صحيح. لكن لنا في الرد على أهل هذه الصناعة مأخذا آخر يتبين منه استحالة وجودها و بطلان مزعمهم أجمعين لا الطغرائي و لا ابن سينا. و ذلك أن حاصل علاجهم أنهم بعد الوقوف على المادة المستعدة بالاستعداد الأول يجعلونها موضوعا و يحاذون في تدبيرها و علاجها تدبير الطبيعة في الجسم المعدني حتى أحالته ذهبا أو فضة و يضاعفون القوى الفاعلة و المنفعلة ليتم في زمان أقصر. لأنة تبين في موضوعه أن مضاعفة قوة الفاعل تنقص من زمن فعله و تبين أن الذهب إنما يتم كونه في معدنه بعد ألف و ثمانين من السنين دورة الشمس الكبرى فإذا تضاعفت القوى و الكيفيات في العلاج كان زمن كونه أقصر من ذلك ضرورة على ما قلناه أو يتحرون بعلاجهم ذلك حصول صورة مزاجية لتلك المادة تصيرها كالخميرة فتفعل في الجسم المعالج الأفاعيل المطلوبة في إحالته و ذلك هو الإكسير على ما تقدم. و اعلم أن كل متكون من المولدات العنصرية فلابد فيه من اجتماع العناصر الأربعة على نسبة متفاوتة إذ لو كانت متكافئة في النسبة لما تم امتزاجها فلابد من الجزء الغالب على الكل. و لابد في كل ممتزج من المولدات من حرارة غريزية هي الفاعلة لكونها الحافظة لصورته، ثم كل متكون في زمان فلابد من اختلاف أطواره و انتقاله في زمن التكوين من طور إلى طور حتى ينتهي إلى غايته. و انظر شأن الإنسان في طور النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم التصوير ثم الجنين ثم المولود ثم الرضيع ثم إلى نهايته. و نسب الأجزاء في كل طور تختلف في مقاديرها و كيفياتها و إلا لكان الطور الأول بعينه هو الآخر و كذا الحرارة الغريزية في كل طور مخالفة لها في الطور الآخر. فانظر إلى الذهب ما يكون له في معدنه من الأطوار منذ ألف سنة و ثمانين و ما ينتقل فيه من الأحوال فيحتاج صاحب الكيمياء إلى أن يساوق فعل الطبيعة في المعدن و يحاذيه بتدبيره و علاجه إلى أن يتم. و من شرط الصناعة أبدا تصورها يقصد إليه بالصنعة فمن الأمثال السائرة للحكماء أول العمل آخر الفكرة و آخر الفكرة أول العمل. فلابد من تصور هذه الحالات للذهب في أحواله المتعددة و نسبها المتفاوتة في كل طور و اختلاف الحار الغريزي عند اختلافها و مقدار الزمان في كل طور و ما ينوب عنه من مقدار القوى المضاعفة و يقوم مقامه حتى يحاذي بذلك كله فعل الطبيعة في المعدن أو تعد لبعض المواد صورة مزاجية كصورة الخميرة للخبز و تفعل في هذه المادة بالمناسبة لقواها و مقاديرها. و هذه المادة إنما يحصرها العلم المحيط والعلوم البشرية قاصرة عن ذلك و إنما حال من يدعي حصوله على الذهب بهذه الصنعة. بمثابة من يدعي بالصنعة تخليق إنسان من المني. و نحن إذا سلمنا له الإحاطة بأجزائه و نسبته و أطواره و كيفية تخليقه في رحمه و علم ذلك علما محصلا بتفاصيله حتى لا يشذ منه شيء عن علمه سلمنا له تحليق هذا الإنسان وأنى له ذلك. و لنقرب هذا البرهان بالاختصار ليسهل فهمه فنقول حاصل صناعة الكيمياء و ما يدعونه بهذا التدبير أنه مساوقة الطبيعية المعدنية بالفعل الصناعي و محاذاتها به إلى أن يتم كون الجسم المعدني أو تخليق مادة بقوى و أفعال و صورة مزاجية تفعل في الجسم فعلا طبيعيا فتصيره و تقلبه إلى صورتها. و الفعل الصناعي مسبوق بتصورات أحوال الطبيعة المعدنية التي يقصد مساوقتها أو محاذاتها أو فعل المادة ذات القوى فيها تصورا مفصلا واحدة بعد أخرى. و تلك الأحوال لا نهاية لها و العلم البشري عاجز عن الإحاطة بما دونها و هو بمثابة من يقصد تخليق إنسان أو حيوان أو نبات. هذا محصل هذا البرهان و هو أوثق ما علمته و ليست الاستحالة فيه من جهة الفصول كما رأيته و لا من الطبيعة إنما هو من تعذر الإحاطة و قصور البشر عنها. و ما ذكره ابن سينا بمعزل عن ذلك و له وجه آخر في الاستحالة من جهة غايته. و ذلك أن حكمة الله في الحجرين و ندورهما أنهما قيم لمكاسب الناس و متمولاتهم. فلو حصل عليهما بالصنعة لبطلت حكمة الله في ذلك و كثر وجودهما حتى لا يحصل أحد من اقتنائهما على شيء. و له وجه آخر من الاستحالة أيضا و هو أن الطبيعة لا تترك أقرب الطريق في أفعالها و ترتكب الأعوص و الأبعد. فلو كان هذا الطريق الصناعي الذي يزعمون أنه صحيح و أنه أقرب من طريق الطبيعة في معدنها أو أقل زمانا لما تركته الطبيعة إلى طريقها الذي سلكته في كون الفضة و الذهب و تخلقهما و أما تشبيه الطغراءي هذا التدبير بما عثر عليه من مفردات لأمثاله في الطبيعة كالعقرب و النحل و الحية وتخليقها فأمر صحيح في هذه أدى إليه العثور كما زعم. و أما الكيمياء فلم تنقل عن أحد من أهل العالم أنه عثر عليها و لا على طريقها و ما زال منتحلوها يخبطون فيها عشواء إلى هلم جرا و لا يظفرون إلا بالحكايات الكاذبة. و لو صح ذلك لأحد منهم لحفظه عنه أولاده أو تلميذه و أصحابه و تنوقل في الأصدقاء و ضمن تصديقه صحة العمل بعده إلى أن ينتشر و يبلغ إلينا و إلى غيرنا. و أما قولهم إن الإكسير بمثابة الخميرة. و إنه مركب يحيل ما يحصل فيه و يقلبه إلى ذلك فاعلم أن الخميرة إنما تقلب العجين و تعده للهضم و هو فساد و الفساد في المواد سهل يقع بأيسر شيء من الأفعال و الطبائع. و المطلوب بالإكسير قلب المعدن إلى ما هو أشرف منه و أعلى فهو تكوين و صلاح و التكوين أصعب من الفساد فلا يقاس الإكسير بالخميرة. و تحقيق الأمر في ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها كما تزعم الحكماء المتكلمون فيها مثل جابر بن حيان و مسلمة بن أحمد المجريطي و أمثالهم فليست من باب الصنائع الطبيعية و لا تتم بأمر صناعي. و ليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات إنما هو من منحى كلامهم في الأمور السحرية و سائر الخوارق و ما كان من ذلك للحلاج و غيره و قد ذكر مسلمة في كتاب الغاية ما يشبة ذلك. و كلامه فيها في كتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى و هذا كلام جابر في رسائله و نحو كلامهم فيه معروف و لا حاجة بنا إلى شرحه و بالجملة فأمرها عندهم من كليات المواد الخارجة عن حكم الصنائع فكما لا يتدبر ما منه الخشب و الحيوان في يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيما عدا مجرى تخليقه كذلك لا يتدبر ذهب من مادة الذهب في يوم و لا شهر و لا يتغير طريق عادته إلا بإرفاد ما وراء عالم الطبائع و عمل الصنائع فكذلك من طلب الكيمياء طلبا صناعيا ضيع ماله و عمله و يقال لهذا التدبير الصناعي التدبير العقيم لأن نيله إن كان صحيحا فهو واقع مما وراء الطبائع و الصنائع كالمشي على الماء و امتطاء الهواء و النفوذ في كشائف الأجساد و نحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة أو مثل تخليق الطير و نحوها من معجزات الأنبياء. قال تعالى: وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني و على ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاها. فربما أوتيها الصالح و يؤتيها غيره فتكون عنده معارة. و ربما أوتيها الصالح و لا يملك إيتاءها فلا تتم في يد غيره. و من هذا الباب يكون عملها سحريا فقد تبين أنها إنما تقع بتأثيرات النفوس و خوارق العادة إما معجزة أو كرامة أو سحرا. و لهذا كان كلام الحكماء كلهم فيها إلغازا لا يظفر بحقيقته إلا من خاض لجة من علم السحر و اطلع على تصرفات النفس في عالم الطبيعة. و أمور خرق العادة غير منحصرة و لا يقصد أحد إلى تحصيلها. و الله بما يعملون محيط. و أكثر ما يحمل على التماس هذه الصناعة و انتحالها هو كما قلناه العجز عن الطرق الطبيعية للمعاش و ابتغاؤه من غير وجوهه الطبيعية كالفلاحة و التجارة و الصناعة فيصعب العاجز ابتغاءه من هذه و يروم الحصول على الكثير من المال دفعة بوجوه غير طبيعية من الكيمياء و غيرها. و أكثر من يعني بذلك الفقراء من أهل العمران حتى في الحكماء المتكلمين في إنكارها و استحالتها. فإن ابن سينا القائل باستحالتها كان عليه الوزراء فكان من أهل الغنى و الثروة و الفارابي القائل بإمكانها كان من أهل الفقر الذين يعوزهم أدنى بلغة من المعاش و أسبابه. و هذه تهمة ظاهرة في أنظار النفوس المولعة بطرقها و انتحالها. و الله الرازق ذو القوة المتين لا رب سواه.