الفصل الثامن في أن عظم الدولة و اتساع نطاقها و طول أمدها على نسبة القائمين بها في القلة و الكثرة و السبب في ذلك أن الملك إنما يكون بالعصبية و أهل العصبية هم الحامية الذين ينزلون بممالك الدولة و أقطارها و ينقسمون عليها فما كان من الدولة العامة قبيلها و أهل عصابتها أكثر كانت أقوى و أكثر ممالك و أوطاناً و كان ملكها أوسع لذلك و اعتبر ذلك بالدولة الإسلامية لما ألف الله كلمة العرب على الإسلام و كان عدد المسلمين في غزوة تبوك آخر غزوات النبي صلى الله عليه و سلم مائة ألف و عشرة آلاف من مضر و قحطان ما بين فارس و راجل إلى من أسلم منهم بعد ذلك إلى الوفاة فلما توجهوا لطلب ما في أيدي الأمم من الملك لم يكن دونه حمىً و لا وزر فاستبيح حمى فارس و الروم أهل الدولتين العظيمتين في العالم لعهدهم و الترك بالمشرق و الإفرنجة و البربر بالمغرب و القوط بالأندلس و خطوا من الحجاز إلى السوس الأقصى و من اليمن إلى الترك بأقصى الشمال و استولوا على الأقاليم السبعة ثم انظر بعد ذلك دولة صنهاجة و الموحدين مع العبيديين قبلهم لما كان كتامة القائمين بدولة العبيديين أكثر من صنهاجة و من المصامدة كانت دولتهم أعظم فملكوا أفريقية و المغرب و الشام و مصر و الحجاز ثم انظر بعد ذلك دولة زناتة لما كان عددهم أقل من المصامدة قصر ملكهم عن ملك الموحدين لقصور عددهم عن عدد المصامدة فمذ أول أمرهم ثم اعتبر بعد ذلك حال الدولتين لهذا العهد لزناتة بنى مرين و بني عبد الواد، كانت دولتهم أقوى منها و أسع نطاقاً و كان لهم عليهم الغلب مرة بعد أخرى. يقال أن عدد بني مرين لأول ملكهم كان ثلاثة آلاف و أن بني عبد الواد كانوا ألفاً إلا أن الدولة بالرفه و كثرة التابع كثرت من أعدادهم و على هذه النسبة في أعداد المتغلبين لأول الملك يكون أتساع الدولة و قوتها و أما طول أمدها أيضاً فعلى تلك النسبة لأن عمر الحادث من قوة مزاجه و مزاج الدول إنما هو بالعصبية فإذا كانت العصبية قوية كان المزاج تابعاً لها و كان أمد العمر طويلاً و العصبية إنما هي بكثرة العدد و وفوره كما قلناه و السبب الصحيح في ذلك أن النقص إنما يبدو في الدولة من الأطراف فإذا كانت ممالكها كثيرة كانت أطرافها بعيدةً عن مركزها و كثيرةً و كل نقص يقع فلا بد له من زمن فتكثر أزمان النقص لكثرة الممالك و اختصاص كل واحد منها بنقص و زمان فيكون أمدها أطول الدول لا بنو العباس أهل المركز و لا بنو أمية المستبدون بالأندلس و لم ينقص أمر جميعهم إلا بعد الأربعمائة من الهجرة و دولة العبيديين كان أمدها قريباً من مائتين و ثمانين سنة و دولة صنهاجة دونهم من لدن تقليد معز الدولة أمر أفريقية لبلكين بن زيري في سنة ثمان و خمسين و ثلاثمائة إلى حين استيلاء الموحدين على القلعة و بجاية سنة سبع و خمسين و خمسمائة و دولة الموحدين لهذا العهد تناهز مائتين و سبعين سنة و هكذا نسب الدول في أعمارها على نسبة القائمين بها سنة الله التي قد خلت في عباده.