الفصل الأول في أن العلم و التعليم طبيعي في العمران البشري و ذلك أن الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس و الحركة و الغذاء و الكن و غير ذلك. و إنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه و التعاون عليه بأبناء جنسه و الاجتماع المهيء لذلك التعاون و قبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى و العمل به و اتباع صلاح أخراه. فهو منكر في ذلك كله دائماً لا يفترعن الفكر فيه طرفة عين بل اختلاج الفكر أسرع من لمح البصر. و عن هذا الفكر تنشأ العلوم و ما قدمناه من الصنائع. ثم لأجل هذا الفكر و ما جبل عليه الإنسان بل الحيوان من تحصيل ما تستدعيه الطباع فيكون الفكر راغباً في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات فيرجع إلى من سبقه بعلم أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك أو أخذه ممن تقدمه من الأنبياء الذين يبلغونه لمن تلقاه فيلقن ذلك عنهم و يحرص على أخذه و علمه. ثم أن فكره و نظره يتوجه إلى واحد واحد من الحقائق و ينظر ما يعرض له لذاته واحداً بعد آخر و يتمرن على ذلك حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقيقة ملكة له فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علماً مخصوصاً. و تتشوف نفوس أهل الجيل الناشىء إلى تحصيل ذلك فيفرغون إلى أهل معرفته و يجيء التعليم من هذا. فقد تبين بذلك أن العلم و التعليم طبيعي في البشر. و الله أعلم